أصبح هذا العالم كآلة تصوير تعطلت فجأة وأصبح إيقافها مستحيلًا، فأنتجت ملايين النسخ من الفارغين، الفارغين الذين يتبادلون السخرية التى تنطلق كطلقات الرصاص في غرفة ضيقة لتنال من الجميع، يتداولون الأفكار ذاتها آلالاف المرات، ويحملون اليقين المزيف ذاته.
إنها رحلة تحويل الحياة إلى بيانات، صفر وواحد، علي سيرڤرات السوشيال ميديا، تحويل لحظات السعادة والحزن والأسى والضجر والملل وما دون ذلك وما فوقه إلى بيانات، عصر البيانات التى تسافر عبر القارات في ثوان معدودة، فترفع سقف السعادة وتزيد من تقعر قاع الحزن.تعال لأخبرك كيف تصنع الوهم ثم تعيشه، لأخبرك عن ارتفاع عداد اللايك علي هذيانك، عن الوجوة الصفراء التي تقول كل شئ إلا الحقيقة، لقد نال منا عالمكم هذا أكثر مما يستحق، أفسد علينا ذواتنا، وصنع لنا علاقات زائفة هشة كبيت عنكبوت، وتركنا نواجه أزمات الواقع افتراضيًا، تركنا مجردين، بلا أسلحة، خاضعين تمامًا وبلا وعى لوسائل الأمان والحماية التى تفرضها العشوائية.
أتعرف ما القاعدة الأساسية لهذة الحياة؟ القاعدة هو أنه ليس هناك قاعدة، هي فقط العشوائية الناتجة عن أنظمة محكمة الصنع.
أصبحت الأمور كلها الآن خارج مجال الإدراك، لا شئ حقيقي، كل شئ افتراضي للغاية، حاول أن تننظر للعالم بدهشة طفل يري العالم لأول مرة، بعينين متسعتيّن من تحت نظارات متسخة، تأمل وجوه البشر من نافذة التاكسي، ومارس تحدي التقاط أكبر قدر من تفاصيل العابرين من النظرة الاولي، تعلم ألا تنتظر الرفق من العالم، وأن الآشياء لن تأتى دومًا كما تريد، يمكنك أن تبكى طويلًا فى الظلام لأن الحياة ليست بسيطة كما اعتقدت، ثم استيقظ في الصباح لتخبر للعالم أن كل شئ يمكن تجاوزه، في النهاية الأمر ليس سوى سوء تفاهم بينك وبين الجميع، سوء تفاهم يدفعك دومًا إلي خانة الاتهام، الأمور بسيطة تمامًا وحقيقة بالنسبة لك، ولكنها معقدة وافتراضية تمامًا بالنسبة لآخرين، فمتحرقش دمك يعنى.