الاثنين، 20 فبراير 2017

رسائل إلى عالم آخر

كعادتى لا أعرف ما ينبغى عليّ قوله، كعادتى أقف عند الخطوط الهشة الفاصلة بين الآشياء، وكأن قدرى أن لا أنتمى إلى شئ، وأن لا أسكن لأحد.
أنا لم أعد أنا، ولا أعرف إن كان الأمر رائعًا أم مفزعًا، كل ما أعرفه الآن أننى خائفة ومشوشة، أُخطأ في تقدير الوقت، والمسافة، أنا مرتبكة تمامًا، وأحن إليك دائمًا.
في خيالاتى أرى الحياة بسيطة، ككتاب تلوين للأطفال، ويصدمنى البشر بتعقيداتهم المفتعلة، ويسحبوننى بعنف لعالمهم المختل، فأشعر دائمًا أننى غريبة، لا شئ لي هنا، ولا شئ ينتظرنى هناك.
المشاهد ذاتها تتكرر يوميًا، أربع ملاعق من السكر، ونصف ملعقة من الشاي، صوت الماء يغلى، ودقات الساعة في نصفها الأول عالية، ثم يعود الصوت للانخفاض تدريجيًا، ثم يعلو مرة أخرى، ويدور رأسى ويدور، ويتسرب الزمن دائمًا وبلا توقف.
أكره التكرار، ويجبرنى هذا العالم على تكرار كل شئ بالوتيرة نفسها، تتكرر كل التفاصيل، كلها بلا استثناء، وفي كل مرة ينتابنى الشعور ذاته، أشعر وكأن الزمن يصتدم بي، يعتذر، ويتجاوزنى، لا يؤلمنى مرور الوقت، كل ما يرهقنى هو شعورى الدائم بأنه يمر، وكل ما يؤلمنى هي تلك الخدوش التى يتركها في كل مرة نتصدم.
لمْ لم تعد نباتاتى تُزهر يا صديقى؟ ولمْ نتوقف الآن عن الكتابة؟ لمْ نبكى نحن، ويضحك العالم؟ لم أعد أملك إجابات، كل ما أملك الآن هو الأسئلة، علامات استفهام لا نهائية تملأ رأسى، وأعجز تمامًا عن النطق.
لا أحد يعرف الحقيقة كاملة، لأنه لا أحد يتحمل الحقائق الكاملة، وأنا لا أريد الحقيقة كاملة، أنا أريد جزءًا يُرضينى، الحد الأدنى من الحقيقة، الحد الأدنى من اليقين، الحد الأدنى الذي يمنحنى الأمان.
يعاندنى النوم هذة الأيام، ويدفعنى بإصرار نحو الإنهيار، ولا يتوقف الزمن عن التلاعب بي، وحتى في أعمق نقاط اللاوعى التي أصل إليها يستمر شعورى بأنه يمر، تتكرر المشاهد، تزداد توترًا وخيبة، ويندفع الأدرينالين في عروقى بلا توقف، فلا أُدرك طعمًا لراحة.
أنا التى أُقدس الهدوء، تنتابنى الآن الرغبة في أن أغفو لدقائق في قطار درجة ثالثة، أو على مقعد في شارع مزدحم.
أنت تعرف، يمكننى أن استمر في السرد هكذا إلى ما لا نهاية، وسيكون كل ما يضايقنى هو قواعد اللغة التى أنساها دائمًا، ولكن الجميع مشغولون كما تعلم، ولا أعرف لمْ أشعر أنى الوحيدة التى يلتهمها الفراغ حية، لكن لا يهم، أنا أتدبر الأمر وحدى، أو على الأقل أحاول، ولا أتوقف عن المحاولة.
دعنا نلتقى، فقط لأسند رأسى المُثقل على كتفك، واحتضن كفك بأصابعى الباردة دائمًا، لنتأمل انعكاس صورتنا في المرايا، ونبتسم لأننا هنا، لأننا معًا، ولأنه في خيالاتى العابثة تنبت زهرة برية في مكان مقفر كلما كنا معًا، دعنا نلتقى، أنقذ العالم وتعال.

هناك تعليق واحد: