الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

في الملاهى


هي ليست ملاهي بالشكل الذي تمثله الكلمة، هي فقط مجموعة من الألعاب شبة المحطمة، جمعوها في حديقة صغيرة، لتكون متنفس لمدينة تختنق.
يضج المكان بالأطفال الذين يركضون دوماً والأباء الذين يصرخون دوماً.
أشرد دائما في وجوه العابرين، في المبانى، في حركة الألعاب المنتظمة، أشعر وكأني أبحث عن شئ ما، لا أعرف ما هو، “أي حاجة والنبي يا أبله” هكذا أفقت، أيدي صغيرة متسخة تشد ثيابي، صبي يتعدي طوله ركبتيّ بسنتيمترات قليلة، ملابس متسخة، ووجه لم ترحمه الشمس، شعره أملس، متسخ، شديد السواد، يملك عينين لا أنسى بريقهما المربك، أعطيه الفشار في يدي في ارتباك، وأبحث في حقيبتي عن أي حاجة، “أنا عايز تذكرة لعبة” تجمدت مكاني للحظة ثم “ماشي، بتيجي منين دي؟” أشار إلي حيث يجلس رجل يمسك دفتراً للتذاكر الزرقاء، سرنا معاً، اشترتها وأعطيتها له، أخذها وركض، راقبته يختفي وسط الزحام.
تناسيت المشهد، وركبت اللعبة التي يُفترض أنها الأكثر صعوبة في المكان، العروس التى ترقص فتنشر الفزع والصراخ، أغمضت عينيّ بينما فستانها يعلو ويهبط ويدور، يأتى الناس هنا ليصرخوا، ليكون الصراخ مبرراً، ولكنى لا اصرخ على أية حال، أفسد الصغير عليّ يومي، كلما أغمض عينيّ أراه.
أنهيت اللعبة مستاءة من كل شئ، لمحته، يقف وسط زحام الناس حول لعبة السيارات، يمسك بالتذكرة الزرقاء، متأهباً لينال سيارة بعد نهاية الدور، وقفت أراقبه بينما ينتهي الدور، ويجري هو مسرعاً ناحية سيارة فيها طفل في مثل عمره، شعره بني ووجه أسمر، ملامحه أكثر براءة وأقل دهاءاً، ويرتدى ذات الثياب المتسخة، ترك له السيارة وجري مسرعاً، التفت نحوه، ذهب تجاه أسرة صغيرة، أب وأم وطفلة، هادئاً طلب تذكرة، وقف أمامهم ماداً يده الصغيرة، ارتبكت الأم، أعطي الأب التذكرة لابنته لتعطيها للصغير البرئ، زكاة البهجة، أخذ الصغير التذكرة، وجاء مسرعاً تجاه اللعبة، تبادل الزوجان نظرات الأسي، ومسحا رأس الصغيرة.
اندس بين الزحام يراقب صديقه، ويحييه كمشجع وفي، بينما يصدم الآخر سيارات أطفال مهذبين، بملابس نظيفة وشعر لامع، ينظرون إليه باشمئزاز، بينما يصدمهم بمهارة مرات عديدة، يخرج لهم لسانه ويرد تحية صديقه كزعيم منتصر.
ينتهي الدور، يتبادل الصغيران الأماكن، يلعب أحدهما الدور، ويركض الآخر ليتسول تذكرة، وهكذا، يتسولان البهجة، يحاربان الشقاء الذي فُرض عليهما مبكراً، مبكراً جداً.
أبغض التكرار، أشعر وكأنهما سيستمران هكذا للأبد، ولا أعرف لم لا تمطر السماء ألعاباً للصغار البائسين؟ لم لا يترك لهم بابا نويل الألعاب مخبأةً في جوارب قرب رؤوسهم التي اعتادت نوم الأرصفة؟
ابتعد، واختنق، ولأول مرة أتمني من الدنيا مالاً، مالاً كثيراً، لأبني ملاهي توزع البهجة في كل مدينة بائسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق