الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

المطر الأول

أجلس علي ركبتيّ علي الفراش أسفل نافذة غرفتي، أفتح جزءاً واحداً من أجزاء الشيش الأربعة، أفعل ذلك برفق وصمت، أمد يدي خارجاً، لتتساقط عليها قطرات مطر خفيفة، يضيئ البرق السماء والشارع والغرفة، فأسحب يدي بسرعة وابتسم، أخرجها ثانية وأبقيها لمدة أطول، أسحبها وأضيئ هاتفي، أري موضع القطرات، وألعقها بلساني، ثم أضحك، ألمح ظل أحدهم في ضوء مصباح خافت، وضعه جارنا بدلاً من عمود الإنارة الذي قضي عليه الزمن، أختبأ تحت النافذة، وأسحب الشيش المفتوح برفق، انظر من فتحة صغيرة، جارنا العجوز عائد من صلاة الفجر، انتظر حتي اسمع صوت اغلاقه لبوابة منزله، ثم أعود وافتح النافذة، احدق في السماء، وانتظر البرق، اُخرج رأسي قليلاً، تتساقط قطرات المطر بين خصلات شعري، يُخيل لي أني عندما سأنظر في المرآة سأجد أزهاراً نبتت في رأسي عند موضع كل قطرة، اختبأ كلما مر عجوز عائد من المسجد القريب، يُخيل لي أن الوقت ملائم للتفكير في أمر مهم، مطر خفيف، رعد وبرق، وصوت ديك الجيران وقرآن مسجد بعيد، مشهد المنزل القديم الذي توقف هدمه بعد خلاف الورثة، وبيوت الطوب الأحمر المتآكل، أبراج الحمام، وكل هذة النوافذ المغلقة، وكل هؤلاء البشر النائميين، طقوس تليق برواية عن قرية منسية، أتذكر ماركيز، أفكر أن ماكوندو قد تكون وُجدت في رأسه في أجواء كتلك، ماركيز بدأ من هنا، أقولها وأضحك، أتخيل أنه يجب عليّ أن أفكر مثلاً في جدوى حياتي، أو في كل تلك القصص التي تخفيها تلك النوافذ، أو في شئ ما رومانسي، لكني لم أفعل، لم استطع أن أفكر سوى في أني أريد أن أبقي هكذا للأبد، أحدق في السماء بحثاً عن البرق، ألعق قطرات المطر من كفي، وأتحسس شعري المبلل لأتأكد أن الأزهار لم تنبت فيه، وأختبأ كلما مر في شارعنا عجوز صامت، أن أبقى في هذا السلام الذي لم أعرفه منذ زمن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق