أسوء الصباحات هو ذلك الذي تستيقظ فيه من نومك بسبب صداع لا تعرف له سبب، عقلي يعشق تضخيم الأمور، ينطلق فوراً في خيالاته عن ورم ما في رأسي ينتشر ويكبر واكتشفه متأخراً فأموت، لو كنت راغبةً في البكاء لأكملت الفيلم للنهاية وتفننت في تخيل مشهد موتي ولكني لا أرغب في ذلك.
ابتلع حبتين من المسكن وما أن يصل الماء جوفي حتي يبدأ رأسي في خيالاته المعتادة، ماذا لو لم يكن هذا الدواء مسكن؟ ماذا لو أن صاحب مصنع الأدوية كان يريد قتل العالم، فأضاف مادة سُمية ما بدلاً من المادة الفعالة للدواء؟ يتطلب الأمر اختبارات ما قبل طرح الدواء للمرضي ولكن ماذا لو كان من يُجري الاختبارات مرتشياً، يستدعي شر صاحب المصنع خيراً موازياً في رأسي، أبدأ في اعداد فريق لمواجهة هذة الكارثة، قناص وكيميائي وطبيب وعبقري برمجيات، سيكون ذلك كافياً مبدئياً، تناديني أمي فأجيبها بنصف وعي، تسرد حديثاً طويلاً أتجاهل معظمه، التقط خواتيم الجمل واخمن ما سبق، تنهي كلامها فأعود إلي هلاوسي، فتبدو باهتة، تكررت في ألف فيلم، فأتركها تتلاشي.
أقرر أن انتصر علي الصداع باليوجا، أمارس اليوجا في محاولة للسيطرة علي أي شئ، أنصح بها الجميع حتي كرهوها تماماً فأصبحت لي وحدي، تشكو أمي من آلالام ظهرها وركبتيها فأنصحها أن تجد وقتاً فارغاً وتأتيني لأعلمها اليوجا، تشكو صديقة من اضطرابات في النوم فأرسل لها ڤيديو ليوجا قد تساعدها، لو اشتكي لي أحدهم أن منزله احترق وعائله شُردت وفقد وظيفته لجلست القرفصاء علي الأرض وقلت له "تعالي بس اقعد جنبي كدا" فلنمارس اليوجا سوياً.
أفرد سجادة صلاة علي الأرض لأبدأ ممارستي بوضعية الكوبرا،افكر أني احتاج سجادة يوجا وأن ثروتي تبلغ خمسمائة جنية مصري، أضعها في برطمان نسكافية فارغ حولته إلي حصالة، مُخبأ في مكان يعرفه الجميع، في الرف الثاني من الدولاب، أؤمن أنه إذا أردت إخفاء شئ ما، فما عليك سوي وضعه في ميدان عام، أحاول التركيز علي التنفس، وأغير الوضعية، الفكرة في اليوجا أن تتخلص من التركيز مع العالم الخارجي، تركز مع التنفس، مع أعماقك، حتي تصل للسلام، أمارس اليوجا علي فترات، ولا أنال منها إلا الفوائد الجسدية والإستغراق التام في الخيالات التي لا تنتهي.
أفكر أني يجب أن استغل ثروتي تلك استغلالاً أمثل، أملك التزاماً اجتماعياً بهدايا لأعياد ميلاد ومناسبات خاصة، أتمني تجاهلها، قررت أني سأوقف نزيف أموالي بالاشتراك في نظام استعارة في مكتبة ما، أحب فكرة أن تقرأ كتاباً لمسه مئات قبلك، أن تتحسس بصمات أصابعهم، وتري خطوطاً باهتة وضعوها تحت كلمات بعينها، ينتابني لحظتنا شعور بالود، أن أرواح أخرين مرت من هنا، أريد أن اشتري أشياءاً تبلغ الألف جنية، وفي الوقت ذاته أريد أن احتفظ بأموالي تلك للسفر إلي مكان ما، أقرر أنه ينبغي أن يهدأ عقلي قليلا فأعود وأغمض عيني وأحاول التركيز علي التنفس، ثلاث دقائق ويتلاشي التركيز، أفكر في رحلة إلي تونس ومنها إلي المغرب، ثم منها إلي أوروبا ثم أعود برحلة بحرية إلي الاسكندرية، تتدافع الصور في رأسي، ويبدو الأمر مبهجاً، فابتسم، أحاول أن أتجاهل ذلك فافتح عيني وأركز في نقطة واحدة في الجدار، تسقط عيني علي شق في دهان الغرفة، أركز لدقائق، ثم أتخيله يتسع، تخرج منه عناكب ذات أحجام مختلفة، تنتشر في كل مكان في خفة مرعبة، تسكن كل شئ، الوسائد، الفراش، يُخيل إليّ أن لهم حفيف أفعي، وأن لهم عيوناً تحدق فيّ وأشعر بحركة أطرافهم علي جسدي فأرتعد، اُبعد شئ ما ليس موجود عن ذراعي في فزع، أقوم وأنفض ملابسي والسجادة وانظر للأرض من حولي فلا أجد أثراً لشئ، أتحرك في هدوء نحو الشق في الحائط، أتحسسه بأطراف أصابعي في حذر، فأجده لا يتجاوز طبقة الدهان، فأطمئن.
أجلس علي أرض الغرفة مسندةً ظهري للحائط، وتنتابني لحظات من الحزن لأني لم أعد أستطيع التركيز في شئ، تتلاشي حين أشعر أن الغرفة أصبحت أضيق، أفكر أنه ينبغي عليّ أن أوفر مساحة أكبر فيها، انظر للأرض الخشبية وأتخيل أنها توفر عليّ نصف الطريق لأحصل علي الغرفة التي أريدها، انظر للدولاب وافكر أني أكره كل ما هو دولاب، تلك الدواليب هي سبب فساد النظام الاقتصادي العالمي وتعاسة البشرية، دعه يتلاشي، أحذفه من الصورة واستبدله برفوف سوداء تلائم دهان الغرفة الأبيض، احذف كل ملابسي واحتفظ بالقليل جدا، احذف المكتبة الصغيرة واستبدلها بأخري سوداء معلقة علي الحائط، احتفظ بسريري واستبدل ملاءته بأخري بيضاء وغطاء رمادي، زهرة واحدة بيضاء في كوب زجاجي علي رف جوار السرير، ودهان الغرفة الأبيض أكتر سطوعاً، تبدو الصورة الخيالية مريحة لدرجة تدعوني للتنفس بعمق، ماذا لو حكم العالم minimalist؟
صوت أمي يناديني ليسحبني بقوة من هلاوسي، تعاتبني علي أشياء كان ينبغي أن أفعلها ولم أكملها، تردد أشياءاً لا تعنيني عن إكمال الشئ لآخره وإتقانه وأنه "مينفعش كدا" أرد "هوا مفيش حد غيري بيكروت في البيت دا ولا إيه؟!" فتضحك طويلاً وتخبرني أنها ستتولي إكمال الأمر وأنه يمكنني أن أعود لما كنت أفعل، أتمتم "من قال أنني جئت"
Nov 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق